خرج الرجل الغريب مع ماريا من الحانة او المرقص ، ولاحظت مارية ان سيارته من نوع فولزفاكن القديمة ، التي عادة ما يركبها الهيبيين ، فقالت مستنكرة : اتريدين ان اقضي معك الليلة هنا في سيارتك الخرقاء هذه ، كنت اعتقدك رجل ثري .
ضحك الرجل الغريب وفتح لها باب سيارته وقال : سيارة خرقاء ! حقا انه لقب جميل . ومن قال انك ستقضين الليلة هنا ، اركبي ، فآنا اعدك انك لن تندمي .
فركبت وقالت ممتعضة : حسنا سنرى .
ركبا السيارة ، واطلق الرجل موسيقا هادئة جميلة ، وكانت مارية في نفسها تتسأل : ترى أي نوع من الرجال هو ؟!
فسألته فجأة : الى اين تذهب بي الان ؟
اجابها : الى مطعم ، لنأكل وجبة شهية .
قالت بغضب ؛ اهذا وقت الوجبات ، اخبرك ان عملي قضاء ليلة مع الزبائن ولا اخرج الا مع الاثرياء ، و يبدوا انك رجل مخادع ، وتريد ان تتباهى بي في المطعم ، خدني لبيتك ، وانهي عملي ، وتدفع لي المبلغ .
ابتسم ولم يتكلم .
الى ان وصل لمطعم فاخر ، فقال لها هي اخرجي لنأكل اني اتضور جوعا ، اما هي فنظرت له بغضب ، الم تسمع كلامي ، اتتعمد الاستهزاء بي .
ابتسم مرة اخرى ، لا ادري لما تهدرين طاقتك كله في الغضب ، اليس يهمك فقط المال ، اذا هيا ..ثق بي
خرجت تتأفف ، ودخل المطعم واحضر وجبات ، وبدأ بالاكل ، فسألها اثناء ذلك قائلا : احس ان ماضيك كان صعبا ، فحديثك و غضبك المتكرر ، يدل على مواقف صعبة عشتها في حياتك .
نظرت اليه وقالت : وماذا تعتقد اننا نعيش في مجتمع لا يرحم ، ولا يرحم الضعفاء ، هل تعلم تلك النساء التي وجدتهن في الحانة ، لم يكن مصيرهن هكذا ، لولا انهن وجدن مجتمعا منافقا ، قاسي ، يتظاهر بالتدين والانسانية ، والحقيقة انهم وحوش ينتظرون الفرصة فقط لالتهامك .
فقال الرجل بهدوء : اتفق معك فيما قلته ، لكن اليس الانسان هو الذي يختار مساره ، علما ان المجتمع ليس شريرا كله الى هذه الدرجة ، فقط بسبب مشكلة كيفما كانت تجعلنا نميل لإتهام كامل المجتمع .
احيانا تكون طريقة تفكيرنا سببا لتعاستنا ولمسار الذي نعيشه في المستقبل او الان .
صمتت تنظر اليه وقالت بعدها : فلسفتك كلها هراء .
ضحك الرجل الغريب : حقا ! هذا ما يقولنه لي دائما . لكن اريد ان اسألك كيف اتخدت هذا المسار ؟
قالت مارية : انها اكذيبكم يا رجال ، تستغلين النساء وترمهن بعيدا .
فقال الرجل : اذا كنت في علاقة مع رجل ، فتخلى عنك .
اجابت : نعم ، كانت علاقة حب بيننا وعدني بالزواج ، لكنه تخلى عني ، بعد سلمت له نفسي ، معتقدة انه سيصبح زوجا لي بعدها .
فقال الرجل : حسنا ، هل رأيت انت سبب مشكلتك اساسا .
نظرت له بغضب : ماذا اتريد اتلقى اللوم علي وتبريء ذلك المعتوه ، هو مثلك يبحث فقط عن الشهوات والمتعة ، لا تعرفون مامعنى الحب ، انكم مجرد حيوانات عيبد الشهوات .
نظر اليها بهدوء وصمت لحظة وقال : لم اقل هذا عزيزتي ..انما ما اود اخبارك به ، ان اختيارنا لدخول علاقة حب او زواج ، تكون كلها مبنية على المظاهر فقط و شكليات ، لا نختار انسان من اجل روحه واخلاقه ، فانا متأكد ان هذا النوع الذي خدعك ، كانت سماته تدل على انه مخادع ، لكن تغافلت عن ذلك . فهناك علامات تكون سببا لمعرفتك لحقيقة الشخص ، خاصة ان طالت مدة العشرة بينهما ، فمثلا المحب الحقيقي لا يمكن ان يستغل جسد محبوبته ، فقط لاجل المتعة ويريد قضاء المتعة معها بدعوة الزواج ، انما يتزوجها ..
صمتت تتفكر في كلامه وتسرح بخيالها لأحداث ماضية مع الذي خدعها ، وتذكرت مواقف دلت انه رجل متلاعب ، وانه فاسد الاخلاق ، لم تلقى لها بالا ، وانه كان يعبث بجسدها فقط باسم الحب ، فوجدت في كلام الرجل الغريب صحة ، فالذي يحبك لا يستغلك ، فالحب الحقيقي يعني الحفاظ على محبوبك حتى الزواج ...وقالت : اظن ان الحب اعماني ان ارى عيوبه الظاهرة ، فقد كان سكيرا ، وكان اخلاقه مع الاخرين فيها تملق واستغلال ، وكذب ، لكن للاسف تجاهلت هذا ، كاني كنت منومة ..فقد كان وسيما له عمل مرموق ، ومركز ، وكما قلت المظاهر والشكليات .
ابتسم الرجل وقال : انسي الماضي ، المهم ان تتعلمي منه فقط ..هيا لنخرج .
خرجوا من المطعم وتنزها امام البحر ، فقال الرجل : لاحظت انك صمتت ولم تغضبي وتتوعدي .
نظرت هي للبحر ، والهواء يحرك خصلات شعرها ، وقالت : اريد ان استنشق الهواء ، حديثي معك جعلني افكر في حياتي .وفيما هذا الذي افعله الان .
فقال الرجل الغريب : حسنا ، سأخبرك بالحقيقة ، انا لم ادخل للحانة لاجل المتعة ، ولم اختارك لاجل الجنس ، انما كنت اريد ان تري حقيقة ما تعتقدينه ، اننا نعيش احيانا الحياة بنوع من عدم الوعي ، وعدم تدبر ، نغفل الجوانب الرائعة في الحياة ، ونتجاهل الاشخاص الطيبين المتخلقين ، فقط لان ربما يبدوا لنا انهم ضعفاء ، او لا نراهم امامنا ، لان بصيرتنا عميت على مشاهدة الجمال في الحياة وفي الاخرين ، لكن عندما تستيقظ بصيرتك ، ستلاحظين هذا الجمال . لهذا كنت ارى فيك جمالا روحيا داخلك ، وكنت اعلم ان تفكيرك ومشاكلك جعلتك تخطئين في اتخاد مسارك الصحيح ..
ابتسمت لاول مرة له وقالت : حقا انك رجل غريب .
فقال : هل انت مستعدة لبداية حياة جديدة من الان .
فقالت وهي تمسح دموعها ، فقد احست انها كانت منومة فقالت : ياليت ، لكن ...
قاطعها الرجل : ليس هناك امنية في هذا ، بل الان هو قرارك ، وانا كما وعدتك المبلغ الذي وعدتك به سادفعه لك ، انه مبلغ سيجعلك تعيشين به مدة ستة اشهر ، لكن اريد ان اسألك ما هي مؤهلاتك العلمية والشاهدات التي حصلت عليها .
اجابت : لا ادري ماذا سأقول لك ، احس بالخجل والحياء تجاهك ، لقد ظلمتك ..اعتقدتك رجل مستغل يبحث عن لذته وسط نساء ارغمتهن ظروف العيش للبيع اجسادهن ...انا انقطعت عن الدراسة في مرحلة الثانوية ..
فقال حسنا .سأزيدك لك مبلغا لتكتري منزل لمدة عام ، وانا وجدت لك عمل من احد معارفي .
استرحي غذا و بعد الغذ سيتصل بك صاحب العمل ، لكن امنحي لي وعدا ، عندما تعملين وتأخدين اجرة ، خصصي مبلغا لان تتعلمي وتكملي دراستك او تحصلي على دبلوم ..سينفعك مستقبلا .
خرجت الدموع من عينيها وقالت : لماذا تفعل كل هذا ؟!!!
ابتسم وقال : لانك انسان ، واحسست ان روحك كانت تريد الانعتاق ، لم تدري كيف ؟
وركبا السيارة واوصلها لمنزل الذي تعيش فيه مع بعض زميلاتها في الحانة ، ذهب الرجل واختفى بعد ما حصل على رقم هاتفها .
هي بعد غد اتصل بها رجل اخبرها ان شخص اكترى لها منزل ، كما اتصل بها رب عمل في احدى صالونات الفاخرة لبيع ماد التجميل ، لتعمل فيه وبمبلغ محترم ، احست بالسعادة وكانت تنظر ان يتصل بها ، لانها منحت له رقمها ، لكنه لم يتصل وتعجبت للامر ، وهي بدأت حياة جديدة ، ودخلت مدرسة تجارية لتأخد شهاده فيها موازة مع عملها ، وتغيرت حياتها للافضل ، وتدعوا الله لذلك الرجل الذي ظهر فجأة وكأنه ملاك غير حياتها واختفى .